فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الطبري:

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: شَبَهُ ما ينفق الذين كفروا، أي: شَبَهُ ما يتصدق به الكافر من ماله، فيعطيه من يعطيه على وجه القُربة إلى ربّه وهو لوحدانية الله جاحد، ولمحمد صلى الله عليه وسلم مكذب، في أن ذلك غير نافعه مع كفره، وأنه مضمحلّ عند حاجته إليه، ذاهبٌ بعد الذي كان يرجو من عائدة نفعه عليه كشبه ريح فيها برد شديد، أصابت هذه الريح التي فيها البرد الشديد {حرثَ قوم}، يعني: زرع قوم قد أمَّلوا إدراكه، ورجَوْا رَيْعه وعائدة نفعه {ظلموا أنفسهم}، يعني: أصحاب الزرع، عصوا الله، وتعدَّوا حدوده {فأهلكته}، يعني: فأهلكت الريح التي فيها الصرُّ زرعهم ذلك، بعد الذي كانوا عليه من الأمل ورجاء عائدة نفعه عليهم.
يقول تعالى ذكره: فكذلك فعل الله بنفقة الكافر وصدقته في حياته، حين يلقاه، يبطل ثوابها ويخيب رجاؤه منها. وخرج المثَل للنفقة، والمراد بالمثل صنيع الله بالنفقة، فبيَّن ذلك قوله: {كمثل ريح فيها صرٌّ}، فهو كما قد بيّنا في مثله قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [سورة البقرة: 17] وما أشبه ذلك.
فتأويل الكلام،: مثل إبطال الله أجرَ ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا، كمثل ريح فيها صر. وإنما جاز ترك ذكر إبطال الله أجر ذلك، لدلالة آخر الكلام عليه، وهو قوله: {كمثل ريح فيها صرٌّ}، ولمعرفة السامع ذلك معناه.
قوله: {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وما فعل الله بهؤلاء الكفار ما فعل بهم، من إحباطه ثواب أعمالهم وإبطاله أجورها ظلمًا منه لهم يعني: وضعًا منه لما فعل بهم من ذلك في غير موضعه وعند غير أهله، بل وضَع فعله ذلك في موضعه، وفعل بهم ما هم أهله. لأن عملهم الذي عملوه لم يكن لله وهم له بالوحدانية دائنون، ولأمره مُتبعون، ولرسله مصدقون، بل كان ذلك منهم وهم به مشركون، ولأمره مخالفون، ولرسله مكذبون، بعد تقدُّم منه إليهم أنه لا يقبل عملا من عامل إلا مع إخلاص التوحيد له، والإقرار بنبوة أنبيائه، وتصديق ما جاءوهم به، وتوكيده الحجج بذلك عليهم. فلم يكن بفعله ما فعل بمن كفر به وخالف أمره في ذلك بعد الإعذار إليه، من إحباط وَفْر عمله له ظالمًا، بل الكافرُ هو الظالم نفسه، لإكسابها من معصية الله وخلاف أمره، ما أوردها به نار جهنم، وأصلاها به سعير سقَرَ. اهـ. بتصرف يسير.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
والمثل: الشبه الذي يصير كالعلم؛ لكثرة استعماله فيما يشبه به. وما يجوز أن تكون موصولة اسمية وما بعدها محذوف لاستكمال الشروط أي ينفقونه. وحاصل الكلام أن كفرهم يبطل ثواب نفقتهم، كما أن الريح الباردة تهلك الزرع.
قوله: {كَمَثَلِ رِيحٍ} خبر المبتدأ، وعلى هذا الظاهر- أعني: تشبيه الشيء المنفق بالريح- استشكل التشبيه؛ لأن المعنى على تشبيهه بالحرث- أي: الزرع- لا بالريح، وقد أجيب عن ذلك بوجوه:
أحدها: أنه من باب التشبيه المركب، بمعنى أنه تقابل الهيئة المجتمعة بالهيئة المجتمعة، وليس تقابل الأفراد بالأفراد كما مر في أول سورة البقرة عند قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ} وهذا اختيار الزمخشري.
ثانيها: أنه من باب التشبيه بين شيئين بشيئين، فذكر أحد المشبَّهين، وترك ذكر الآخر وذكر أحد المشبهين به، فقد حذف من كل اثنين ما يدل عليه نظيره، كما مر في قوله تعالى: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ} [البقرة: 171]، وهو اختيار ابن عطية، قال: وهذا غاية البلاغة والإعجاز.
وثالثها: أنه على حذف مضاف، إمَّا من الأول، تقديره: مثل مهلك ما ينفقونه، وإما من الثاني، تقديره: كمثل مهلك ريح، وهذا الثاني أظهر؛ لأنه يؤدِّي- في الأول- إلى تشبيه الشيء المُنْفَق- المُهْلَك- بالريح، وليس المعنى عليه، ففيه عَوْدٌ لما فُرَّ منه.
وذكر أبو حيان التقدير المشار إليه، ولم ينبه عليه اللهم إلا أن يريد بمهلك اسم مصدر، أي: مثل إهلاك ما ينفقون، ولكن يحتاج إلى تقدير مثل هذا المضاف- أيضا- قبل رِيح تقديره: مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح.
وقيل: التقدير: مثل الكفر- في إهلاك ما ينفقون- كمثل الريح المهلكة للحرث.
وقال ابن الخطيب: لعل الإشارة في قوله: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ} إلى ما أنفقوا في إنذار رسول الله صلى الله عليه وسلم في جَمْع العساكر عليه، فكان هذا الإنفاق مهلكًا لجميع ما أتَوْا به من أعمال البر والخير، حينئذ يستقيم التشبيه من غير حاجة إلى إضمار، وتقديم وتأخير، والتقدير: مثل ما ينفقون في كونه مبطلًا لما أتوا به- قبل ذلك- من أعمال البر كمثل ريح فيها صر في كونها مبطلة للحرث.
وهذا فيه نظر؛ لأن الكفار لا يثبت لهم عملُ برٍّ، حتى تحبطه النفقة المذكورة، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان: 23].
وقد يمكن أن يجاب عنه بأنه إن كان المراد بالذين كفروا: أهل الكتاب، فقد كانت لهم أعمال بر قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كان المراد: المشركين، فلا يُحْكَم عليهم إلا بعد البعثة، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
ويجوز في ما أن تكون موصولة اسمية، وعائدها محذوف- أي: مثل ما ينفقونه- وأن تكون ما مصدرية، وحينئذ يكون قد شبه إنفاقهم- في عدم نفعه- بالريح الموصوفة بهذه الصفة، وهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس.
قوله: {فِيهَا صِرٌّ} في محل جر، نعتًا لـ {ريح}، ويجوز أن يكون {فِيهَا صِرٌّ}: جملة من مبتدأ وخبر، ويجوز أن يكون {فيها}- وحده- هو الصفة، و{صِرٌّ} فاعل له- وجاز ذلك؛ لاعتماد الجار على الموصوف- وهذا أحسن؛ لأن الأصل في الأوصاف: الإفراد، وهذا قريب منه.
والصِّرّ: قال ابْنُ عبَّاسٍ، وقَتَادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ، وأكثر أهل اللغة: أنه البرد الشديد، المحْرِق.
قال الشاعر: [البسيط]
لا تَعْدِلِينَ أتَاوِيِّينَ تَضْربُهُمْ ** نَكْبَاءُ صِرٌّ بِأصْحَابِ الْمُحِلاَّتِ

وقيل: الصِّرُّ بمعنى: الصرصر- وهو البرد-.
قالت ليلى الأخيلية: [الطويل]
وَلَمْ يَغْلِبِ الْخَصْمَ الألَدَّ وَيَمْلأ الْ ** جِفَانَ سَرِيعًا يَوْمَ نَكْبَاءَ صَرْصَرِ

مأخوذ من الشد والتعقيد، ومنه الصُّرَّة- للعُقْدة- وأصَرَّ على كذا: لَزِمَه.
وقال أبُو بَكْرٍ الأصَمُّ، وابْنُ الأنْبَارِي: هي السَّمُومُ الحَارَّة.
وقال الزجاج: الصَّرْصَر: صوت لهيب النار- في الريح- من صَرَّ الشيءُ، يَصِرُّ، صَريرًا- أي: صَوَّت بهذا الحِسِّ المعروف، ومنه صرير الباب، والصرة: الصيحة، قال تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ} [الذاريات: 29].
وروى ابْنُ الأنْبَارِيِّ- بإسناده- عن ابْنِ عَبَّاسٍ، في قوله: {فِيهَا صِرٌّ} قال: فيها نار. وعلى القولين، فالمقصود من التشبيه حاصل؛ لأنه- سواء كان بَرْدًا مُهْلِكًا، أو حَرًّا مُحْرِقًا- يبطل الحرث والزرع، وإذا عُرِف هذا، فإن قلنا: الصِّرّ: البَرْد الشديد، أو هو صوت النار، أو هو صوت الريح، فَظَرْفِيَّة الريح له واضحة، وإن كان الصِّرُّ صفة الريح- كالصرصر- فالمعنى: فيها قِرَّة صر- كما تقول: برد بارد- وحُذِفَ الوصوف، وقامت الصفة مقامه، أو تكون الظرفية مجازًا جعل الموصوف ظرفًا للصفة.
كقوله: [الوافر]
...................... ** وَفِي الرَّحْمَنِ لِلضُّعَفَاءِ كَافِي

ومنه قوله: إن ضيعني فلان، ففي الله كافٍ، المعنى: الرحمن كافٍ، الله كافٍ، وهذا فيه بُعْد.
قوله: {أصَابَتْ} هذه الجملة في محل جَرّ- أيضا- صفة لـ {رِيح}.
ولا يجوز أن يكون صفة لـ {صِرٌّ}؛ لأنه مذكَّر، وبدأ أولًا بالوَصْف بالجار؛ لأنه قريب من المفرد، ثم بالجملة، هذا إن أعربنا {فِيهَا}- وحده- صفة، ورفعنا به {صِرٌّ}، أما إذا أعربناه خبرًا مقدمًا، أو {صِرٌّ} مبتدأ، فهما جملة- أيضا-.
قوله: {ظَلَمُوا} صفة لـ {قوم}، والضمير في {ظَلَمَهُمُ} يعود على القوم ذوي الحرث، أي: ما ظلمهم الله بإهلاك حرثهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكابهم المعاصي التي كانت سببًا في إهلاكهم؛ أو لأنهم زرعوا في غير موضع الزرع، أو في غير وقته؛ لأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وبهذا يتأكد وَجْه الشبه؛ لأن الزرع- لا في موضعه، ولا في وقته- يضيع، ثم أصابته الريح الباردة، فكان أولى بالضياع، وكذا- هاهنا- الكفار لما أتَوْا بالإنفاق لا في موضعه ولا في وقته ثم أصابه شؤمُ كُفْرِهم، فصار ضائعًا، والله أعلم.
وجوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ وغيره: أن يعود الضمير على المنفقين، وإليه نَحَا ابْنُ عَطِيَّةَ، ورجحه بأن أصحاب الحرث لم يُذْكَروا للرد عليهم، ولا لتبيين ظلمهم، بل لمجرد التشبيه.
وقوله: {ولكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} العامَّة على تخفيف {لكن}، وهي استدراكية، و{أنْفُسَهُمْ} مفعول مقدَّم، قُدِّم للاختصاص، أي: لم يقع وبالُ ظلمهم إلاَّ بأنفسهم خاصَّة، لا يتخطاهم، ولأجل الفواصل- أيضا-.
وقرأها بعضُهم مشدَّدة، ووجهها أن تكون {أنْفُسَهُمْ} اسمها، و{يَظْلِمُونَ} الخبر، والعائد من الجملة الخبريَّة على الاسم محذوف، تقديره: ولكن أنفسهم يظلمونها، فحذف، وحسَّنَ حذفَه كَوْنُ الفعلِ فاصلة، فلو ذكر مفعوله، لفات هذا الغرض.
وقد خرجه بعضهم على أن يكون اسمها ضمير الأمر والقصة- حُذِفَ للعلم به، و{أنْفُسَهُمْ} مفعول مقدم لـ {يَظْلِمُونَ} كما تقدم والجملة خبر لها.
وقد رُدَّ هذا بأن حذف اسم هذه الحروف لا يجوز إلا ضرورة.
كقوله: [الخفيف]
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الْكَنِيسَةَ يَوْمًا ** يَلْقَ فِيهَا جَآذِرًا وَظِبَاءَ

على أن بعضهم لا يُقصره على الضرورة، مستشهدًا بقوله عليه السلام: «إنَّ مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرون».
قال: تقديره: إنه، ويعزى هذا للكسائي.
وقد ردَّه بعضُهم، وخرَّج الحديثَ على زيادة من والتقدير: إن أشد الناس.
والبصريون لا يُجِيزون زيادة من في مثل هذا التركيب لما تقدم وإنما يُجيزها الأخفش. اهـ. بتصرف يسير.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

ما وجدوا ميراث ما بذلوا لغير الله إلا حسراتٍ متتابعة، وما حصلوا من حسباناتهم إلا على محن مترادفة، وذلك جزاء من أعرض وتولّى. اهـ.

.من فوائد ابن عطية:

قال رحمه الله:
وقوله تعالى: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا} الآية، معناه: المثال القائم في النفوس من إنفاقهم الذي يعدونه قربة وحسبة وتحنثًا ومن حبطه يوم القيامة وكونه هباء منثورًا، وذهابه كالمثال القائم في النفوس من زرع قوم نبت واخضرّ وقوي الأمر فيه فهبت عليه {ريح فيها صر} محرق فأهلكته، فوقع التشبيه بين شيئين وشيئين، ذكر الله عز وجل أحد الشيئين المشبهين وترك ذكر الآخر ثم ذكر أحد الشيئين المشبه بهما وليس الذي يوازي المذكور الأول، وترك ذكر الآخر، ودل المذكور أن على المتروكين، وهذه غاية البلاغة والإيجاز، ومثل ذلك قوله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} [البقرة: 171]، وقرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، {تنفقون} بالتاء على معنى قل لهم يا محمد، و{مثل} رفع بالابتداء وخبره في محذوف به تتعلق الكاف من قوله: {كمثل}، وما بمعنى الذي وجمهور المفسرين على أن {ينفقون} يراد به الأموال التي كانوا ينفقونها في التحنث وفي عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك عندهم قربة، وقال السدي: {ينفقون} معناه من أقوالهم التي يبطنون ضدها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، لأنه يقتضي أن الآية في منافقين والآية إنما هي في كفار يعلنون مثل ما يبطنون، وذهب بعض المفسرين إلى أن {ينفقون} يراد به أعمالهم من الكفر ونحوه، أي هي كالريح التي فيها صر، فتبطل كل ما لهم من صلة رحم وتحنث بعتق ونحوه، كما تبطل الريح الزرع، وهذا قول حسن لولا بعد الاستعارة في الإنفاق، والصر البرد الشديد، المحرق لكل ما يهب عليه وهو معروف قال ابن عباس وجمهور المفسرين: الصر البرد، وتسميه العرب الضريب، وذهب الزجّاج وغيره: إلى أن اللفظة من التصويت، من قولهم صر الشيء، ومنه الريح الصرصر، قال الزجاج، فالصر صوت النار التي في الريح.
قال القاضي: الصر هو نفس جهنم الذي في الزمهرير يحرق نحوًا مما تحرق النار، والحرث شامل للزرع والثمار، لأن الجميع مما يصدر عن إثارة الأرض، وهي حقيقة الحرث، ومنه الحديث لا زكاة إلا في عين أو حرث أو ماشية، وقال عز وجل: {ظلموا أنفسهم} فما بال هذا التخصيص والمثل صحيح، وإن كان الحرث لمن لم يظلم نفسه؟ فالجواب أن ظلم النفس في هذه الآية تأوله جمهور المفسرين بأنه ظلم بمعاصي الله، فعلى هذا وقع التشبيه بحرث من هذه صفته، إذ عقوبته أوخى واخذ الله له أشد والنقمة إليه أسرع وفيه أقوى، كما روي في جوف العير وغيره، وأيضا فمن أهل العلم من يرى أن كل مصائب الدنيا فإنما هي بمعاصي العبيد، وينتزع ذلك من غير ما آية في القرآن، فيستقيم على قوله: إن كل حرث تحرقه ريح فإنما هو لمن قد ظلم نفسه، وذهب بعض الناس ونحا إليه المهدوي: إلى أن قوله تعالى: {حرث قوم ظلموا أنفسهم} معناه زرعوا في غير أوان الزرعة.
قال أبو محمد: وينبغي أن يقال في هذا: {ظلموا أنفسهم} بأن وضعوا أفعال الفلاحة غير موضعها من وقت أو هيئة عمل، ويخص هؤلاء بالذكر لأن الحرق فيما جرى هذا المجرى أو عب وأشد تمكنًا، وهذا المنزع يشبه من جهة ما قول امرئ القيس: [المتقارب]
وسالفة كَسحوقِ اللَّيا ** نِ أَضرِمَ فيها الغويُّ السعرُ

فخصص الغويّ لأنه يلقي النار في النخلة الخضراء الحسنة التي لا ينبغي أن تحرق، فتطفئ النار عن نفسها رطوبتها بعد أن تتشذب وتسود، فيجيء الشبه حسنًا، والرشيد لا يضرم النار إلا فيما يبس واستحق فهو يذهب ولا يبقى منه ما يشبه به، والضمير في {ظلمهم} للكفار الذين تقدم ضميرهم في {ينفقون} وليس هو للقوم ذوي الحرث لأنهم لم يذكروا ليرد عليهم، ولا ليبين ظلمهم وأيضا فقوله: {ولكن أنفسهم يظلمون}، يدل على فعل الحال في حاضرين. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ في هذه الحياة الدنيا} كالدليل لعدم إغناء الأموال، ولعل عدم بيان إغناء الأولاد ظاهر لأنهم إن كانوا كفارًا وهو الظاهر كان حكمهم وإن كانوا مسلمين كانوا عليهم لا لهم في الدنيا، وبغضهم لهم في الآخرة {يَوْمَ تبلى السرائر} [الطارق: 9] و{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [القلم: 42] وتبريهم منهم حين يفر المرء من أمه وأبيه أظهر من أن يخفى، وما موصولة والعائد محذوف أي ينفقونه والإشارة للتحقير، والمراد تمثيل جميع صدقات الكفار ونفقاتهم كيف كانت وهو المروي عن مجاهد وقيل: مثل لما ينفقه الكفار مطلقًا في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: لما أنفقه قريش يوم بدر وأحد لما تظاهروا عليه عليه الصلاة والسلام، وقيل: لما أنفقه سفلة اليهود على علمائهم المحرفين أي حال ذلك وقصته العجيبة.